من أنفع المواعظ للقلوب أن تتدارس ما جاء من أحاديث عن الموت والقبر وأحوال الميت في الجنازة حتى تنتبه من غفلة الحياة الدنيا وتبصر القدر المحتوم على كل حيّ.
وقد وضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم مراحل الدار الآخرة بسلسلة أحاديث عن الموت وما يسبقه من سكرات، وعلامات تكشف عن حسن أو سوء الخاتمة.
كما حضنا النبي صلى الله عليه وسلم على دوام تذكر ملك الموت فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أكثروا ذكر هادم اللذات) – يعني الموت -.
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من وجوب تذكر الإنسان للموت فقال (فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه الله , ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه).
ووصف صلى الله عليه وسلم من يداوم على ذكر الموت بالذكي المنتبه لحقيقة الحياة الزائلة فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: كنت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجاءه رجل من الأنصار , فسلم على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: يا رسول الله, أي المؤمنين أفضل؟ , قال: ” أحسنهم خلقا ” قال: فأي المؤمنين أكيس؟ , قال: أكثرهم للموت ذكرا , وأحسنهم لما بعده استعدادا , أولئك الأكياس ”
العناوين الرئيسية
أحاديث عن سكرات الموت
وفيما جاء من أحاديث عن الموت بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للموت آلام تجعل العقل يطيش من شدتها حتى أنها سميّت “سكرات” كالخمر الذي يذهب العقل!
فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (ما رأيت أحدًا أشد عليه الوجع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (وما أغبط أحدًا بهون موت ولا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هذا ثقل الموت على أفضل خلق الله عزوجل وأحبّهم إليه فكيف تكون شدته على أصحاب الذنوب والمعاصي المقصرين في الطاعات والأعمال الصالحة؟
وفي أحاديث أخرى ينقلها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربّه عزوجل يبين لنا أن خروج الروح يكون على كراهة ومشقة من الإنسان فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى للنفس: اخرجي، قالت: لا أخرج إلا كارهة قال: اخرجي وإن كرهت.
أحاديث عن الموت وعلامات حسن وسوء الخاتمة
بالنظر فيما جاء أحاديث عن الموت نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لموت المؤمن علامات ولموت العاصي علامات.
فعن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال: (كان بريدة – رضي الله عنه – بخراسان , فعاد أخا له وهو مريض , فوجده بالموت، فرأى جبينه يعرق , فقال: الله أكبر , سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: المؤمن يموت بعرق الجبين).
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: نفس المؤمن تخرج رشحا، ونفس الكافر تخرج من شدقه، كما تخرج نفس الحمار.
وظهور هذه العلامات عند الميّت دليل على ما يبصره ويراه ولا يراه الأحياء من حوله؛ عن شريح بن هانئ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:-
(ولكن إذا شخص البصر ، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه).
وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:-
(وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر، بشر بعذاب الله وسخطه؛ فإذا بشر بذلك, يكره لقاء الله , والله للقائه أكره).
أحاديث عن أحوال الميت في الجنازة
وكما جاء في أحاديث الموت فقد بين النبي صلى الله عليه وسلّم أن الميّت يعي ما يدور من حوله ويشعر بمن يصلي عليه صلاة الجنازة لكنّ يعجز أن يتواصل مع الناس فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم , فإن كانت صالحة قالت لأهلها: قدموني , قدموني , وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها , أين تذهبون بها؟, يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق).
أحاديث عن القبر
وبعد أن يصل الميت إلى داره الأخيرة في الحياة الدنيا –القبر -يستهل حياة أخرى تسمّى حياة البرزخ تبدأ بضمة الأرض لجسد المتوفي كما تفعل الأم بأبنها الغائب فقد خلق الإنسان من ترابها وإليه يعود.
ولا ستثنى من هذه الضمة صالح ولا طالح، ولا شيخ ولا طفل فعن أبي أيوب – رضي الله عنه – قال: دفن صبي، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لو أفلت أحد من ضمة القبر , لأفلت هذا الصبي).
ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة السؤال فعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا فرغ من دفن الميت , وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).
فإذا كانت أعمال العبد صالحة تغمدته رحمة ربّه فيعرض له مقعده في الجنة، ويرى مكانه فيها، ويشمّ ريحها، وإن كان ممن عصى وتكبر وتجبر عرض له مكانه في النار وأصابه من حميمها ونتن ريحها.