السنة النبوية

أحاديث عن الصبر ومنزلته وفضله من صحيح السيرة النبوية

ما جاء في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث عن الصبر يكشف لنا عن مكانة هذا الخلق العالي في الإسلام، وكيف أنّه يرتقي بالمسلم درجات واسعة في سلّم الإيمان والقبول عند الله عزوجل.

الصبر في القرآن الكريم

والصبر فضيلة كبرى حض عليها القرآن الكريم في آيات متعددة؛ فأمر بها المسلمين عند نزول النوائب وتعثر الأحوال فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا )  [ آل عمران : 200 ].

وبيّن فضيلته ومكانته بين أخلاق المؤمنين فقال عزوجل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [ البقرة : 155]، وَقالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ) [ الزمر :10 ]، وَقالَ تَعَالَى: ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) [الشورى: 43 ]، وَقالَ تَعَالَى: ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [البقرة : 153]، وَقالَ تَعَالَى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ )  [ محمد : 31 ].

أحاديث عن الصبر ومنزلته وفضله

ولمّا كانت السنة النبوية الشريفة مفسرة للقرآن مؤكدة على أوامره ونواهيه وتكليفاته فقد ضمت مجموعة أحاديث عن الصبر توضح مكانته وفضله.

الصبر ضياء

فمن هذه الأحاديث ما  يظهر أن الصبر ضياء للمسلم يجعله يرى الأمور على حقيقتها في الدنيا، ويضيئ له الطريق إلى الجنة في الآخرة.

فعن أبي مالكٍ الحارث بن عاصم الأشعريِّ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمان ، والحَمدُ لله تَمْلأُ الميزَانَ ، وَسُبْحَانَ الله والحَمدُ لله تَملآن – أَوْ تَمْلأُ – مَا بَينَ السَّماوات وَالأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ ، والصَّدقةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والقُرْآنُ حُجةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُها )) رواه مسلم .

الصبر بالتصبر

كما بينت أحاديث عن الصبر أنه كخلق يحتاج من الإنسان المجاهدة عليه حتى يصبحه طبعه، فلا صبر إلا بالتصبر كما أنه لا علم إلا بالتعلّم.

فعن أبي سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري رضي الله عنهما : أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله فَأعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ : (( مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ . وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر )) مُتَّفَقٌ عليه.

أحاديث عن الصبر ومنزلته وفضله

الصبر عند الصدمة الأولى

يعرف من عانى المصائب وكابد الفقد أن سماع الأخبار المحزنة خاصة أخبار الموت يطعن الإنسان في قلبه، وقد يخرجه عن شعوره، أو يفقد إيمانه لذلك وضح النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء من أحاديث عن الصبر أن الصبر في أول المصيبة يهونها.

فعن أنس  ، قَالَ : مَرَّ النَّبيُّ  بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : (( اتّقِي الله واصْبِري )) فَقَالَتْ : إِليْكَ عَنِّي ؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي وَلَمْ تَعرِفْهُ ، فَقيلَ لَهَا : إنَّه النَّبيُّ  فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ  ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ ، فقالتْ : لَمْ أعْرِفكَ ، فَقَالَ : (( إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

أحاديث عن الصبر ومنزلته وفضله

الصبر كلّه خير

ولأن الصبر من الأمور الشاقة على النفس، فالإنسان لا يصبر إلا عند الشدائد وفقد الأحباب يطمئن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أنّه ما من عبد يصبر ويحتسب إلا جعل له الله له أجرًا.

فعن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله: (( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ )) رواه مسلم .

وعن أبي زَيدٍ أُسَامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ مَوْلَى رسولِ الله وحِبِّه وابنِ حبِّه رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ إنَّ ابْني قَد احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا ، فَأَرْسَلَ يقرئ السَّلامَ ، ويقُولُ : (( إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ )) فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا . فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ ، وَرجَالٌ ، فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله الصَّبيُّ ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ : يَا رسولَ الله ، مَا هَذَا ؟ فَقالَ : (( هذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ )) وفي رواية : (( فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

وَمَعنَى (( تَقَعْقَعُ )) : تَتَحرَّكُ وتَضْطَربُ .

وعن أبي هريرة : أنَّ رسولَ الله ، قَالَ: (( يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجَنَّةَ )) رواه البخاري .

عن أنس ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله، يقول: (( إنَّ الله ، قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه (عينيه) فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ )) يريد عينيه ، رواه البخاري.

السابق
أحاديث عن التوبة وهل يغلق باب التوبة أمام مرتكبي الكبائر؟
التالي
تفسير حلم الزواج في المنام لابن سيرين والنابلسي وكبار الأئمة

اترك تعليقاً