أحكام صلاة الغائب تعددت واختلفت كثيرًا في المذاهب الإسلامية التقليدية وفي آراء العلماء المعاصرين؛ فبينما ذهب البعض إلى مشروعيتها قال البعض الآخر أنّها فعل خاص للنبي صلى الله عليه وسلم ولا تشرع صلاة الغائب لغيره.
وقد حاول قسم من الفقهاء أن يفصلّوا في المسألة فقال بعضهم بوجود شروط محددة إذا تحققت أجيزت صلاة الغائب، وإذا لم تتحقق لم تجز الصلاة.
ومن أجل فهم أحكام صلاة الغائب ببساطة والخروج من اختلافات الفقهاء نعرض في هذا الموضوع بعض أقوال العلماء والفقهاء.
العناوين الرئيسية
مشروعية صلاة الغائب
استدل الفقهاء الذين أفتوا بمشروعية صلاة الغائب بفعل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم أن صلّى على النجاشيّ ملك الحبشة، وفعل النبي من أقوى صور التشريع للأمة من بعده.
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه يوم مات النجاشي ملك الحبشة، فنعاه لهم ، وصفهم وصلّى عليه صلاة الجنازة.
القول بعدم مشروعية صلاة الغائب
أمّا الفقهاء الذين ذهبوا إلى عدم مشروعية صلاة الغائب فذهبوا إلى أن هذا فعل خاص للنبي صلى الله عليه وسلّم لمكانة النجاشي وظروف موته.
وقد قال بهذا الرأي الإمام أبو حنيفة والإمام مالك وبعض تلاميذهما.
الخلاصة في أحكام صلاة الغائب
إذا بحثنا عن رأي جمهور العلماء في أحكام صلاة الغائب فسنجد أنّهم يقطعون بمشروعيتها وقد قال بذلك الإمام الشافعيّ والإمام أحمد بن حنبل.
وقد احتج جمهور العلماء بأنّه لم يرد نصٌ في القرآن أو حديث من رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكشف أن الصلاة على النجاشيّ فعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط، ومن هنا فأن الأمة مأمورة بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه.
هل تجوز صلاة الغائب على كلّ ميّت؟
اتسع القول في هذه المسألة من مسائل أحكام صلاة الغائب بين الفقهاء أيضًا؛ فبينما قال الشافعية والحنابلة إلى أنَّه تشرع الصلاة على كل غائب عن البلد، ولو صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه، ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى أنه تشرع الصلاة على الغائب إذا كان له نفع للمسلمين، كعالم أو مجاهد أو غني نفع الناس بماله ونحو ذلك.
وذهب الإمام ابن تيمية مذهبًا وسطًا في الأمر فقال: إن كان الغائب لم يُصَلَّ عليه مثل النجاشي، صُلِّيَ عليه، وإن كان قد صُلِّيَ عليه، فقد سقط فرض الكفاية عن المسلمين.
وهذا القول رواية صحيحة عن الإمام أحمد، صححه ابن القيم في الهَدْي، لأنه توفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم أناس من أصحابه غائبين، ولم يثبت أنه صلى على أحد منهم صلاة الغائب.
أحكام متعلقة بصلاة الغائب
حدد العلماء شرطين أساسيين حتى يصح أن نطلق على صلاة الجنازة صلاة الغائب وهما:
- أن تبعد بلدة المتوفى عن بلد الصلاة عليه ولو كانت المسافة بين البلدين دون مسافة القصر. وبمعنى عصري أكثر أنّه لا تجوز صلاة الغائب والميّت في نفس بلدة المصلي حتى وإن بعدت المسافة.
إذًا إن كان المصلون والمتوفى في بلدة واحدة فلا تجوز الصلاة إلا بحضور المتوفى ولو كبرت البلدة.
- أن يكون المصلِّي على الميت من أهل الصلاة عليه يوم مات.
فمثلًا: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
أحكام صلاة الغائب للنساء
لا بأس أن تصلي المرأة على الميت في بيتها، وإن اجتمعن وصلين جماعة فهو أفضل، ومما يدل على مشروعية صلاة المرأة على الجنازة في بيتها، أن عائشة رضي الله عنها: (لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا) رواه مسلم.
وقال النووي رحمه الله : ” وأما النساء، فإن كن مع الرجال صلينَ مقتديات بإمام الرجال.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل يجوز للمرأة أن تجمع أهل البيت من النساء وتصلي بهن صلاة الجنازة على ميتهن في ذلك المنزل؟
فأجاب : “نعم، لا حرج أن تصلي المرأة صلاة الجنازة، سواء صلتها في المسجد مع الناس، أو صلت عليها في بيت الجنازة؛ لأن النساء لا يمنعن من الصلاة على الميت، وإنما يمنعن من زيارة القبور…” انتهى . “مجموع فتاوى” ابن عثيمين.
كيفية صلاة الغائب؟
صلاة الغائب كصلاة الجنازة لا تختلف عنها إلا في عدم وجود الميّت، وقد أجاز العلماء أن تصلى قبل صلاة الجنازة الحاضرة على الميّت فلم يشترط الشافعية أو الحنابلة أن تكون صلاة الغائب بعد صلاة الجنازة الحاضرة عليه، ولا قبلها.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (2/195) : ” وتجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية فيستقبل القبلة, ويصلي عليه كصلاته على حاضر, وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن”.