صيام الستة البيض هو ما يطلقه عامة المسلمين على صيام ستة أيام من شهر شوال كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ورغم أن الشرع لم يحدد صيام أيام شوال بوصف صيام الستة البيض فإن الوصف قد شاع بين عموم الناس في عدة أقطار عربية مما يدعونا إلى تبيان فضل صيام هذه الأيام وبعض الأحكام والفتاوى المتعلقة بها.
العناوين الرئيسية
مشروعية صيام الستة البيض
يندرج صيام ستة أيام من شوال من السنن المندوبة وصيام التطوع الذي قصد بها النبي صلى الله عليه وسلم ترقيق قلوب المسلمين.
فالصيام من أجلّ العبادات التي ترتقي بالروح وتخفف من وطأة الجسد، وترشد شهواته كشهوة البطن والفرج.
والصالحون وأهل العلم يتخذون من الصيام عامة وسيلة تربية لأرواحهم وجوارحهم؛ فيقتصدون في الحديث إلا لفائدة، ويصونون جميع أعضائهم عن الفضول، وينكبون على قراءة القرآن والذكر والتسبيح والاستغفار طوال يومهم.
وجاءت مشروعية صيام الستة البيض (ستة أيام من شهر شوال) من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
((من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر)).
رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم المقصود بالدهر على أنّه العام الكامل فقال: من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) .
وفي رواية: ((جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام تمام السنة)).
ذكره النسائي وابن ماجة وهو في صحيح الترغيب والترهيب 1/421 ورواه ابن خزيمة بلفظ: ((صيام شهر رمضان بعشرة أمثالها وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة)).
الحكمة من صيام الستة البيض
ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحكمة من صيام ستة أيام من الشهر الذي يلي شهر الصوم – شهر رمضان – تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة.
فلا شك أن الصائم قد يصيب بعض الذنوب واللمم أثناء صومه، أو بعض الآثام التي تجرح من أجر الصيام.
ومن هنا فإن اتباع صيام شهر رمضان بستة أيام من شوال يأتي مظنة جبر هذا الجرح، فكما هو معلوم أن النوافل تكمل نقص الفرائض يوم القيامة.
كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت تامة وإن انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم)).
رواه أبو داود.
وقد ارتأى بعض الفقهاء أن الحكمة قد تكون إظهار الشكر لله عزوجل على توفيقه العبد لصيام شهر رمضان.
فقال الحافظ ابن رجب- رحمه الله -: (فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدل نعمة الله كفراً).
وقيل لبشر الحافي -رحمه الله -: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: (بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها).
أحكام حول صيام الستة البيض
السؤال الأكثر طرحًا على الفقهاء فيما يخص صيام ستة أيام من شهر شوال هو: هل يجوز صيامها لمن عليه قضاء أيّام من رمضان؟
وأكثر من يعرض هذا السؤال النساء اللاتي قد يأتيهنّ الحيض في شهر رمضان فيلزمهنّ إعادة ما عليهنّ من أيام، ويصبحن في حيرة بين قضاء الفريضة أو صوم النافلة.
اختلف العلماء حول هذا الأمر إلى رأيين:
الرأي الأول:
يرى أن قضاء أيام رمضان أولى من صيام النافلة، فإذا كان الإنسان لديه قو للصيام عقب شهر رمضان مباشرة فلينو قضاء ما فاته من أيام.
وحجج أصحاب هذا الرأي متعددة؛ فمنهم من يرى أن الحديث خصّ من صام رمضان كلّه ومن ثم فإن من فاتته أيام في رمضان لا يعتبر قد صام الشهر كاملًا.
ومنهم من يرى: أن دين الله أحق بالقضاء، وأن الفريضة أولى بالبدء والمسارعة من النافلة، الله عز وجل أوجب عليه صوم رمضان، وأوجب على المرأة صوم رمضان، فلا يليق أن تبدأ بالنافلة قبل أن تؤدي الفريضة.
الرأي الثاني:
أمّا الرأي الثاني وهو الأضعف عند جمهور العلماء فيرى جواز تقديم صيام الستة البيض على قضاء الفائت من رمضان لقول السيدة عائشة رضي الله عنها؛ أنها كانت تؤخر قضاء ما عليها من صيام إلى شهر شعبان من العام التالي.
فتاوى حول صيام الستة البيض
ومن الأسئلة المطروحة حول صيام ستة أيام من شهر شوال ما يتعلق بصيامها مجتمعة أو متفرقة؟
وفي هذا الأمر أجمع العلماء على جواز صيامها مجمعة أي متتالية أو متفرقة.
كما أجازوا أن يبدأ المسلم بأي يوم من أيام شهر شوال شاء على أن يتجنب يوم العيد، وأن يتحرى فسحة من الوقت حتى لا ينتهي الشهر قبل إكمال صيامه.
وفي نفس السياق لا يجوز الجمع بين نيتي قضاء رمضان وصيام ستة أيام من شوال في يوم واحد، لأن الصوم الواجب يجب له نية تخصه، ويكون تبييتها من الليل .
ويبقى صيام الستة البيض أو ستة أيام من شهر شوال سنة مستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يعبّر فيها المسام عمليًا عن شكره لربّه على توفيقه لصيام الشهر الكريم، فيعقب الطاعة بالطاعة.