ما إن يسمع المسلم عن هدم الكعبة حتى يهتز فؤاده ويرتجف جسده هلعًا وخوفًا على هذا البيت العتيق الذي يقصده المسلمون في كل بقاع الأرض في صلواتهم كل يوم وليلة.
فمكانة الكعبة راسخة في نفوس المسلمين جميعهم، وتهفو إليها أرواحهم حتى صار الحج إليها وزيارتها أمنية عظيمة تجعل المؤمنين يراوحون بين العمرة والحج شوقًا ومحبة.
ومن قدر عليه رزقه تجده يدخر طوال عمره حتى يفوز بزيارة للكعبة قبل موته استجابة لدعوة أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)).
إذن ما حقيقة هدم الكعبة ؟ وهل ما جاء فيها أحاديث صحيحة موثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل سبق هدمها قبل ذلك؟
العناوين الرئيسية
أحاديث عن هدم الكعبة
أثبتت بعض أحاديث الفتن والملاحم وأحداث آخر الزمان حقيقة هدم الكعبة لكنّها لم تحدد زمنًا خاصًا لذلك ومن ثمّ فقد اختلف العلماء حول موعد الهدم.
وجاءت الأحاديث التي رويت عن هدم الكعبة في كتب الصحاح المعتمدة مثل البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من كتب السنة.
وقد اختلف العلماء حول ما إذا كانت الكعبة سوف تهدم مرتين أم مرة واحدة في آخر الزمان؛ ففي بعض الأحاديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هلاك الجيش الذي يؤم الكعبة لهدمها، وفي أحاديث أخرى يؤكد هدمها حجرًا حجرًا.
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه ((عبث النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا له صنعت شيئا لم تكن تفعله، قال: العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش )) وزاد في رواية أخرى أن أم سلمة قالت ذلك زمن ابن الزبير، وفي أخرى أن عبد الله بن صفوان أحد رواة الحديث عن أم سلمة قال: والله ما هو هذا الجيش.
بينما روى الإمام ابن حجر في فتح الباري –باب هدم الكعبة: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ: أي في آخر الزمان.
وفي رواية: يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم.
ومن الأحاديث النبوية التي أكدت هدم الكعبة في آخر الزمان هذه المجموعة الصحيحة:
- عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ أَبَا قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يُبَايَعُ لِرَجُلٍ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، وَلَنْ يَسْتَحِلَّ الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَأْتِي الْحَبَشَةُ فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا، وَهُمْ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ .
رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك. وقال الشيخ شاكر والشيخ الألباني والشيخ الأرناؤوط: صحيح.
- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ(لَهُ سَاقَانِ دَقِيقَانِ) مِنْ الْحَبَشَةِ .
رواه البخاري ومسلم
- عنْ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَنْقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا . يَعْنِي الْكَعْبَةَ.
رواه البخاري
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَيَسْلُبُهَا حِلْيَتَهَا وَيُجَرِّدُهَا مِنْ كِسْوَتِهَا، وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أُصَيْلِعَ ، أُفَيْدِعَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِمِسْحَاتِهِ وَمِعْوَلِهِ.
هل سبق هدم الكعبة بعد الإسلام؟
هدمت الكعبة عدة مرات منذ بنائها الأول على يد سيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل كما أوضح القرآن الكريم في قوله تعالى: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)).
وقد أعادت قريش بناءها في الحادثة المشهورة عندما وضع النبي صلى الله عليه وسلم (قبل البعثة بخمس سنوات) الحجر الأسود في مكانه بيده الشريفة ثم أوشك على هدمها بعد الإسلام ليضم إليها حِجر إسماعيل ويضيف إليها بابًا كما كانت في عهد ابراهيم عليه السلام لكنّه أحجم عن ذلك لحداثة العرب بالإسلام.
ففي الصحيحين وغيرهما من كتب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحِجر، فإن قومك قصرت بهم النفقة، ولجعلت لها باباً شرقياً وباباً غربياً يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر.
المرة الأولى:
أمّا المرة الأولى التي هدمت فيها الكعبة بعد الإسلام فكانت على يد عبد الله بن الزبير بن العوام بعد محاصرة جيوش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لمكة وضربهم الكعبة بالمنجنيق مما أدى إلى تهدم بعض أجزاء منها.
حرص عبد الله بن الزبير أن يبنيها كما كان يرغب النبي صلى الله عليه وسلم فضم الحِجر إلى الكعبة، وأضاف لها بابًا يخرج منه الناس.
المرة الثانية:
لكن هذا البناء لم يدم طويًلا فقد تغلّب الحجاج بن يوسف الثقفي على ابن الزبير وقتله وهدم ما بناه وأعاد الحجِر خارج الكعبة وسدّ الباب الذي فتحه فصارت على الشكل الذي نراه حتى الآن.
وقد حاول بعض الخلفاء هدم الكعبة وإعادة بنائها على ما كان يريده النبي صلى الله عليه وسلّم لكن العلماء كرهوا ذلك حتى لا يصبح بيت الحرام مجالًا للعبث بين الحكام.
فقال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: وقد همّ ابن المنصور المهدي أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير واستشار الإمام مالك بن أنس في ذلك فقال: إني أكره أن يتخذها الخلفاء لعبة، هذا يرى رأي ابن الزبير وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان وهذا يرى رأياً أخر .
المرة الثالثة:
ومع أن هاتين المرتين كانتا بغرض التجديد والإعمار للكعبة فإن التاريخ يذكر لنا حادثة مروعة حدثت في عام 317 هـــ وفيها هجم القرامطة الذين سكنوا العراق حينئذ على مكة فقتلوا ثلاثين ألفًا من الحجيج وردموا بئر زمزم بجثثهم، ونزعوا سترة الكعبة والحجر الأسود وعادوا بها إلى موطنهم في الإحساء، وظل بها أكثر من اثني عشر عامًا!!.